بحـث
المواضيع الأخيرة
طرائف في الحب
صفحة 1 من اصل 1
طرائف في الحب
[center]طرائف عن الحب
حيلة عاشق
كان لأبى العتاهية (1) الشاعر العباسي نوادر لطيفة مع (( عتبة )) جارية المهدي , تدل على كمال ظرفه , ومن ذلك ما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد قال :
إن أبا العتاهية لما ألح في أمر (( عتبة )) – لأول دخوله بغداد , ولم ينل منها شيئاً , وجدها يوماً قد جلست في أصحاب الجوهر , فمضى الشاب فلبس ثياب راهب , ورفع ثيابه إلى إنسان كان معه , وسأل عن رجل كبير في السوق , فدّل على شيخ صائغ , فجاء إليه فقال : إنّى قد رغبت في الإسلام على يدي هذه المرأة .. يعني ( عتبة ) .
فقام الشيخ الصائغ وجمع جماعة من أهل السوق , وجاء إلى ( عتبة ) فقال لها : إن الله قد ساق إليك أجراً , هذا هو راهب قد رغب في الإسلام على يديك , فقالت : هاتوه .
فدنا أبو العتاهية منها – وهو في زي الراهب – فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله , ثم قطع الزنارَ , ومال على يدها فقبَّلها .
فلما فعل ذلك , رفعت البرنس عن وجهه , فعرفته وقالت : نَحُّوه , لعنه الله , فقالوا : لا تلعنيه فقد أسلم , فقالت : إنما فعلت ذلك لقَذَره , فعرضوا عليه كسوة , فقال : ليس لي حاجة إلى هذه , وإنما أردت أن أشرف بولائها , فالحمد لله الذي من عليّ بحضوركم
وجلس أبو العتاهية , فجعلوا يعلمونه ( الحمد ) وصلّى معهم العصر , وهو في ذاك ينظر إليها , لا تقدر له على حيلة !
وحدّث المبرّد : أن " ريطة " بنت أبي العباس السفاح . وجهت إلى عبد الله بن مالك الخزاعى في شراء رقيق للعتق , وأمرت جاريتها ( عتبة ) – وكانت لها ثم صحبت ( الخيزران ) بعدها – أن تحضر ذلك , فإنها لجالسة إذ جاء ( أبو العتاهية ) في زي متنسك فقال لها : جعلني الله فداك , شيخ ضعيف لا يقوى على الخدمة , فإن رأيت – أعزك الله – شرائي وعتقي , فعلتِ مأجورة , فأقبلتْ على عبد الله فقالت : إني لأرى هيئة جميلة , وضعفاً ظاهراً , ولساناً فصيحاً , ورجلاً بليغاً , فاشتره وأعتقه , فقال : نعم أفعل , ثم قال لها أبو العتاهية : أتأذنين لي – أصلحك الله – في تقبيل يدك ؟ فأذنت له , فقبّل يدها وانصرف .
فضحك عبد الله بن مالك وقال لها : أتدرين من هذا ! فقالت : لا , قال : هذا أبو العتاهية , وإنما احتال عليك حتّى قبَّل يدكِ !
بين الحب والمال
وكان أبو العتاهية قد قصد بغداد من الكوفة , مع زميلين له , ليستفيد بشعره عند أمرائها , ولم يكن لهم في بغداد من يقصدونه , فنزلوا غرفة بالقرب من الجسر , وكانوا يبكرون فيجلسون بالمسجد الذي بباب الجسر , في كل غداة , فمرّت بهم يوماً امرأة راكبة , معها خدم سودان , فقالوا : من هذه ؟ قالوا : خالصة . فقال أحدهم : قد عشقت خالصة , وعمل فيها شعراً أعانوه عليه .
ثم مرّت بهم أخرى , راكبة أيضاً , معها خدم بيضان , فقالوا من هذه ؟ قالوا : هذه ( عتبة ) فقال أبو العتاهية : قد عشقت عتبة , وعمل فيها شعراً .
ولمم يزالوا كذلك , حتى شاع الشعر المصنوع إلى الجاريتين , تحدث الناس بعشق أبي العتاهية وزميله لهما , فقال صاحبا الجاريتين : نمتحن العاشقين بمال على أن يدعا التعرض للجاريتين , فإن قبلا المال كانا مستأكلين , وإن لم يقبلاه كانا عاشقين .
فلما كان الغد . مرت ( عتبة ) فعرض لها صاحبها , فقال له الخدم : اتبعنا , فتبعهم , فمضت به إلى منزل خليط لها يزار , فلما جلست دعت به فقالت له : يا هذا , إنك شاب وأرى لك أدباً , وأنا حرمة خليفة , وقد تأتينك , فإن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين , ثم لم آمن عليك .
فقال أبو العتاهية : فافعلي , بأبي أنت وأمي , فإنك إن سفكت دمي أرحتني , فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذا لم يكن لي فيك نصيب . !! .
فقالت له : أبق على نفسك , وخذ هذه الخمسمئة دينار , واخرج عن هذا البلد , فلما سمع ذكر المال ولّى هارباً , فقالت : ردوه وألحت عليه فيها , فقال لها : جُعلت فداك , ما أصنع بعرضٍ زائلٍ من الدنيا وأنا لا أراك ؟ .. والله إنك لتبطئين يوماً واحداً عن الركوب , فتضيق عليّ الدنيا بما رحبت , فزادت له في الدنانير , ومازالت تلح عليه فلا يزداد إلا رفضاً .
قليل منك يكفيني
ومن ألطف ما قاله أبو العتاهية في ( عتبة ) قوله :
بالله يا حُلوة العينين زوريني
هذانِ أمران , فاختاري أحبهما
إن شئتِ موتاً , فأنت الدهر مالكةٌ
يا(عتب) ما أنتِ إلا بدعةٌ خلقت
إنى لأعجبُ من حبٍّ يقربُّنُي
لو كان ينصفني ممّا كَلِفْتُ بهِ
يا أهل َودّيَ .. إنى قد لطفتُ بكم
الحمد لله , قد كُنَّا نَظنّكُمُ
أما الكثيرُ , فلا أرجوهُ منكِ , ولو
قبل المماتِ , وإلا .. فاستّزيرينى !
إليك , أو لا فداعى الموتِ يدعوني
روحي وإن شئتِ أن أحيا , فأحيينى
من غير طين , وخلقُ الناس من طينِ
ممّا يباعدنى عنه , ويُقصينيِ
إذنْ رضيتُ , وكانَ النصفُ يرضيني
في الحبِّ جَهدي ولكنْ .. لا تبالوني
من أرحم النّاسِ –طرّاً- بالمساكين
أطمعتني في قليلٍ كان يكفيني
وله فيها قصائد كثيرة أخرى , يقول في إحداها :
ألا يا ( عُتبَ ) يا قمرَ الرّصافَةْ
رزقتِ مودتي ورزقتِ عطفي
وصرتُ من الهوى دَنِفاً سقيماً
أظلُّ إذا رأيتُكِ مُستكيناً
ويا ذاتَ الملاحةِ والنَّظافَةْ
ولم أُرزقْ –فديتك- منكِ رافهْ
صريعاً كالصريعِ من السُّلافهْ
كأنّكِ قد بُعثتِ علىَّ آفَةْ
ومن قوله فيها أيضاً :
قالَ لي أحمدٌ , ولم يدرِ مَا بي
فتنفّستُ , ثم قلت : نعم , حبّـ
لو تجسّينَ يا (عُتيبَةُ) قلبي
قَد لَعمرِي ملّ الطّيبُ وملّ الـ
ليتني متُّ فاسترحتُ , فإني
أتحبُّ الغداة (عتبةَ) حقّاً ؟
ـاً جرَى في العروق , عرقاً فعرقا
لوجدتِ الفؤادَ قرحاً .. تفقاّ
أهل منّي , ممّا أقاسي وألقَى
أبداً – ماحييتُ- منهُ ملقَّى
وفيها يقول :
(( عُتبَ )) ما لِلخَيال
لا أراهُ .... أتاني
لَوْ . . . . . رآنى صَديقى
أوْ . . . يراني عَدوّي
خبّريني ومالىِ ؟
زائراً . . . . مُذ ليالِ
رقّ لي , أو رَثَى لِي
لانَ من سُوءِ حَالِى
من الحب إلى الزهد
وحدث أبو العباس : أحمد بن يحيى ثعلب , قال :
كان أبو العتاهية قد أكثر مسألة الرشيد في ( عتبة ) – فوعده بتزويجها , وأنه سيسألها في ذلك , فإن أجابت جهّزها له وأعطاه مالاً عظيماً , ثم إن الرشيد سنح له شغل استمر به , فحجب أبو العتاهية عن الوصول إليه , فدفع إلى ( مسرور ) الكبير ثلاث مراوح , فدخل بها على الرشيد , وهو يبتسم , وكانت مجتمعة , فقرأ على واحدة منها مكتوباً :
ولقد تنسّمتِ الرّياحُ لحاجتي
فإذا لها من راحتيكَ شميمُ
فقال الرشيد : أحسن الخبيث , إذن , عليّ بالثانية , وكان مكتوباً عليها :
أعلقتُ نفسي من رجائكِ ماله
عَنَقٌ يحثُّ إليك بي , ورسيم
فقال الرشيد : عليّ بالثالثة , وكان مكتوباً عليها :
ولربّما استيأستُ , ثم أقولُ : لا
إن الذي ضمنَ النجاحَ كريمُ
فقال الرشيد : قاتله الله . ما أحسن ما قال , ثم دعابه , وقال له : قد ضمنت لك يا أبا العتاهية , وفي غدٍ نقضي حاجتك إن شاء الله , وبعث إلى ( عتبة ) وقال لها : إن لي إليك حاجة , فانتظريني الليلة في منزلك .
فأكبرت ( عتبة ) ذلك وأعظمته , وصارت إليه تستعفيه , فحلف ألا يذكر لها حاجته إلا في منزلها .
فلمّا كان الليل سار إليها ومعه جماعةٌ من خواص خدمه , فقال لها : لست أذكر حاجتي أو تضمنين قضاءها ؟ قالت : أنا أمَتُكَ , وأمرك نافذٌ .. فيما خلا أمر أبي العتاهية , فإنّي حلفت لأبيك – بكل يمين يحلف بها برٌّ وفاجر , وبالمشي إلى بيت الله الحرام حافية , كلمّا انقضت عنى حجّة وجبت علىّ أخرى , لا أقتصر على الكفارة , وكلما أفدت شيئاً تصدقت به , إلا ما أصلّى فيه .
وبكت بين يديه , فرق لها ورحمها , وانصرف عنها .
وغداً عليه أبو العتاهية , فقال له الرشيد : والله ما قصرت في امرك , ومسرور وحسين ورشيد وغيرهم شهود لي بذلك , وشرح له الخبر .
قال أبو العتاهية : فلما أخبرني الرشيد بذلك , مكثت مليّاً لا أدرى أين أنا قائم أو قاعد ؟ , قلت : الآن يئست منها إذ ردّتك , وعلمت أنها لا تجيب أحداً بعدك .
ثم لبس أبو العتاهية الصوف , وتزهد , وقال في ذلك شعراً كثيراً , منه قوله :
قطّعتُ منك حبائلَ الآمالِ
ووجدتُ برد اليأس بين جوانحي
وحططتُ عن ظهر المطّي رحالي
فغنيتُ عن حلٍ وعنْ ترحالِ
وروى أبو سلمة الغنوى (1)أنه قال لأبي العتاهية : ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد ؟ فقال أبو العتاهية : إذن والله لأخبرك , إنى لما قلت :
الله بيني وبينَ مولاتي
منحْتُهَا مهجتي وخالصتي
هيّمني حبّها , وصيّرني
أبدتْ لي الصدَّ والملالاتِ
فكان هجرانُها .. مكافاتي !
أحدوثةً في جميعِ جاراتي
رأيت في المنام تلك الليلة , كأنّ آتياً أتاني فقال : ما أصبت أحداً تدخله بينك وبين عتبة , يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى ؟ ! .. فانتبهت مذعوراً , وتبت إلى الله تعالى من ساعتى من قول الغزل .
حيلة عاشق
كان لأبى العتاهية (1) الشاعر العباسي نوادر لطيفة مع (( عتبة )) جارية المهدي , تدل على كمال ظرفه , ومن ذلك ما ذكره الخطيب في تاريخ بغداد قال :
إن أبا العتاهية لما ألح في أمر (( عتبة )) – لأول دخوله بغداد , ولم ينل منها شيئاً , وجدها يوماً قد جلست في أصحاب الجوهر , فمضى الشاب فلبس ثياب راهب , ورفع ثيابه إلى إنسان كان معه , وسأل عن رجل كبير في السوق , فدّل على شيخ صائغ , فجاء إليه فقال : إنّى قد رغبت في الإسلام على يدي هذه المرأة .. يعني ( عتبة ) .
فقام الشيخ الصائغ وجمع جماعة من أهل السوق , وجاء إلى ( عتبة ) فقال لها : إن الله قد ساق إليك أجراً , هذا هو راهب قد رغب في الإسلام على يديك , فقالت : هاتوه .
فدنا أبو العتاهية منها – وهو في زي الراهب – فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً عبده ورسوله , ثم قطع الزنارَ , ومال على يدها فقبَّلها .
فلما فعل ذلك , رفعت البرنس عن وجهه , فعرفته وقالت : نَحُّوه , لعنه الله , فقالوا : لا تلعنيه فقد أسلم , فقالت : إنما فعلت ذلك لقَذَره , فعرضوا عليه كسوة , فقال : ليس لي حاجة إلى هذه , وإنما أردت أن أشرف بولائها , فالحمد لله الذي من عليّ بحضوركم
وجلس أبو العتاهية , فجعلوا يعلمونه ( الحمد ) وصلّى معهم العصر , وهو في ذاك ينظر إليها , لا تقدر له على حيلة !
وحدّث المبرّد : أن " ريطة " بنت أبي العباس السفاح . وجهت إلى عبد الله بن مالك الخزاعى في شراء رقيق للعتق , وأمرت جاريتها ( عتبة ) – وكانت لها ثم صحبت ( الخيزران ) بعدها – أن تحضر ذلك , فإنها لجالسة إذ جاء ( أبو العتاهية ) في زي متنسك فقال لها : جعلني الله فداك , شيخ ضعيف لا يقوى على الخدمة , فإن رأيت – أعزك الله – شرائي وعتقي , فعلتِ مأجورة , فأقبلتْ على عبد الله فقالت : إني لأرى هيئة جميلة , وضعفاً ظاهراً , ولساناً فصيحاً , ورجلاً بليغاً , فاشتره وأعتقه , فقال : نعم أفعل , ثم قال لها أبو العتاهية : أتأذنين لي – أصلحك الله – في تقبيل يدك ؟ فأذنت له , فقبّل يدها وانصرف .
فضحك عبد الله بن مالك وقال لها : أتدرين من هذا ! فقالت : لا , قال : هذا أبو العتاهية , وإنما احتال عليك حتّى قبَّل يدكِ !
بين الحب والمال
وكان أبو العتاهية قد قصد بغداد من الكوفة , مع زميلين له , ليستفيد بشعره عند أمرائها , ولم يكن لهم في بغداد من يقصدونه , فنزلوا غرفة بالقرب من الجسر , وكانوا يبكرون فيجلسون بالمسجد الذي بباب الجسر , في كل غداة , فمرّت بهم يوماً امرأة راكبة , معها خدم سودان , فقالوا : من هذه ؟ قالوا : خالصة . فقال أحدهم : قد عشقت خالصة , وعمل فيها شعراً أعانوه عليه .
ثم مرّت بهم أخرى , راكبة أيضاً , معها خدم بيضان , فقالوا من هذه ؟ قالوا : هذه ( عتبة ) فقال أبو العتاهية : قد عشقت عتبة , وعمل فيها شعراً .
ولمم يزالوا كذلك , حتى شاع الشعر المصنوع إلى الجاريتين , تحدث الناس بعشق أبي العتاهية وزميله لهما , فقال صاحبا الجاريتين : نمتحن العاشقين بمال على أن يدعا التعرض للجاريتين , فإن قبلا المال كانا مستأكلين , وإن لم يقبلاه كانا عاشقين .
فلما كان الغد . مرت ( عتبة ) فعرض لها صاحبها , فقال له الخدم : اتبعنا , فتبعهم , فمضت به إلى منزل خليط لها يزار , فلما جلست دعت به فقالت له : يا هذا , إنك شاب وأرى لك أدباً , وأنا حرمة خليفة , وقد تأتينك , فإن أنت كففت وإلا أنهيت ذلك إلى أمير المؤمنين , ثم لم آمن عليك .
فقال أبو العتاهية : فافعلي , بأبي أنت وأمي , فإنك إن سفكت دمي أرحتني , فأسألك بالله إلا فعلت ذلك إذا لم يكن لي فيك نصيب . !! .
فقالت له : أبق على نفسك , وخذ هذه الخمسمئة دينار , واخرج عن هذا البلد , فلما سمع ذكر المال ولّى هارباً , فقالت : ردوه وألحت عليه فيها , فقال لها : جُعلت فداك , ما أصنع بعرضٍ زائلٍ من الدنيا وأنا لا أراك ؟ .. والله إنك لتبطئين يوماً واحداً عن الركوب , فتضيق عليّ الدنيا بما رحبت , فزادت له في الدنانير , ومازالت تلح عليه فلا يزداد إلا رفضاً .
قليل منك يكفيني
ومن ألطف ما قاله أبو العتاهية في ( عتبة ) قوله :
بالله يا حُلوة العينين زوريني
هذانِ أمران , فاختاري أحبهما
إن شئتِ موتاً , فأنت الدهر مالكةٌ
يا(عتب) ما أنتِ إلا بدعةٌ خلقت
إنى لأعجبُ من حبٍّ يقربُّنُي
لو كان ينصفني ممّا كَلِفْتُ بهِ
يا أهل َودّيَ .. إنى قد لطفتُ بكم
الحمد لله , قد كُنَّا نَظنّكُمُ
أما الكثيرُ , فلا أرجوهُ منكِ , ولو
قبل المماتِ , وإلا .. فاستّزيرينى !
إليك , أو لا فداعى الموتِ يدعوني
روحي وإن شئتِ أن أحيا , فأحيينى
من غير طين , وخلقُ الناس من طينِ
ممّا يباعدنى عنه , ويُقصينيِ
إذنْ رضيتُ , وكانَ النصفُ يرضيني
في الحبِّ جَهدي ولكنْ .. لا تبالوني
من أرحم النّاسِ –طرّاً- بالمساكين
أطمعتني في قليلٍ كان يكفيني
وله فيها قصائد كثيرة أخرى , يقول في إحداها :
ألا يا ( عُتبَ ) يا قمرَ الرّصافَةْ
رزقتِ مودتي ورزقتِ عطفي
وصرتُ من الهوى دَنِفاً سقيماً
أظلُّ إذا رأيتُكِ مُستكيناً
ويا ذاتَ الملاحةِ والنَّظافَةْ
ولم أُرزقْ –فديتك- منكِ رافهْ
صريعاً كالصريعِ من السُّلافهْ
كأنّكِ قد بُعثتِ علىَّ آفَةْ
ومن قوله فيها أيضاً :
قالَ لي أحمدٌ , ولم يدرِ مَا بي
فتنفّستُ , ثم قلت : نعم , حبّـ
لو تجسّينَ يا (عُتيبَةُ) قلبي
قَد لَعمرِي ملّ الطّيبُ وملّ الـ
ليتني متُّ فاسترحتُ , فإني
أتحبُّ الغداة (عتبةَ) حقّاً ؟
ـاً جرَى في العروق , عرقاً فعرقا
لوجدتِ الفؤادَ قرحاً .. تفقاّ
أهل منّي , ممّا أقاسي وألقَى
أبداً – ماحييتُ- منهُ ملقَّى
وفيها يقول :
(( عُتبَ )) ما لِلخَيال
لا أراهُ .... أتاني
لَوْ . . . . . رآنى صَديقى
أوْ . . . يراني عَدوّي
خبّريني ومالىِ ؟
زائراً . . . . مُذ ليالِ
رقّ لي , أو رَثَى لِي
لانَ من سُوءِ حَالِى
من الحب إلى الزهد
وحدث أبو العباس : أحمد بن يحيى ثعلب , قال :
كان أبو العتاهية قد أكثر مسألة الرشيد في ( عتبة ) – فوعده بتزويجها , وأنه سيسألها في ذلك , فإن أجابت جهّزها له وأعطاه مالاً عظيماً , ثم إن الرشيد سنح له شغل استمر به , فحجب أبو العتاهية عن الوصول إليه , فدفع إلى ( مسرور ) الكبير ثلاث مراوح , فدخل بها على الرشيد , وهو يبتسم , وكانت مجتمعة , فقرأ على واحدة منها مكتوباً :
ولقد تنسّمتِ الرّياحُ لحاجتي
فإذا لها من راحتيكَ شميمُ
فقال الرشيد : أحسن الخبيث , إذن , عليّ بالثانية , وكان مكتوباً عليها :
أعلقتُ نفسي من رجائكِ ماله
عَنَقٌ يحثُّ إليك بي , ورسيم
فقال الرشيد : عليّ بالثالثة , وكان مكتوباً عليها :
ولربّما استيأستُ , ثم أقولُ : لا
إن الذي ضمنَ النجاحَ كريمُ
فقال الرشيد : قاتله الله . ما أحسن ما قال , ثم دعابه , وقال له : قد ضمنت لك يا أبا العتاهية , وفي غدٍ نقضي حاجتك إن شاء الله , وبعث إلى ( عتبة ) وقال لها : إن لي إليك حاجة , فانتظريني الليلة في منزلك .
فأكبرت ( عتبة ) ذلك وأعظمته , وصارت إليه تستعفيه , فحلف ألا يذكر لها حاجته إلا في منزلها .
فلمّا كان الليل سار إليها ومعه جماعةٌ من خواص خدمه , فقال لها : لست أذكر حاجتي أو تضمنين قضاءها ؟ قالت : أنا أمَتُكَ , وأمرك نافذٌ .. فيما خلا أمر أبي العتاهية , فإنّي حلفت لأبيك – بكل يمين يحلف بها برٌّ وفاجر , وبالمشي إلى بيت الله الحرام حافية , كلمّا انقضت عنى حجّة وجبت علىّ أخرى , لا أقتصر على الكفارة , وكلما أفدت شيئاً تصدقت به , إلا ما أصلّى فيه .
وبكت بين يديه , فرق لها ورحمها , وانصرف عنها .
وغداً عليه أبو العتاهية , فقال له الرشيد : والله ما قصرت في امرك , ومسرور وحسين ورشيد وغيرهم شهود لي بذلك , وشرح له الخبر .
قال أبو العتاهية : فلما أخبرني الرشيد بذلك , مكثت مليّاً لا أدرى أين أنا قائم أو قاعد ؟ , قلت : الآن يئست منها إذ ردّتك , وعلمت أنها لا تجيب أحداً بعدك .
ثم لبس أبو العتاهية الصوف , وتزهد , وقال في ذلك شعراً كثيراً , منه قوله :
قطّعتُ منك حبائلَ الآمالِ
ووجدتُ برد اليأس بين جوانحي
وحططتُ عن ظهر المطّي رحالي
فغنيتُ عن حلٍ وعنْ ترحالِ
وروى أبو سلمة الغنوى (1)أنه قال لأبي العتاهية : ما الذي صرفك عن قول الغزل إلى قول الزهد ؟ فقال أبو العتاهية : إذن والله لأخبرك , إنى لما قلت :
الله بيني وبينَ مولاتي
منحْتُهَا مهجتي وخالصتي
هيّمني حبّها , وصيّرني
أبدتْ لي الصدَّ والملالاتِ
فكان هجرانُها .. مكافاتي !
أحدوثةً في جميعِ جاراتي
رأيت في المنام تلك الليلة , كأنّ آتياً أتاني فقال : ما أصبت أحداً تدخله بينك وبين عتبة , يحكم لك عليها بالمعصية إلا الله تعالى ؟ ! .. فانتبهت مذعوراً , وتبت إلى الله تعالى من ساعتى من قول الغزل .
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الجمعة يناير 12, 2024 2:45 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث فى المعراج 01009665850
الخميس مارس 02, 2023 5:04 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بالظاهر 01009665850
الخميس مارس 02, 2023 4:56 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بحى الاندلس 01090216656
الخميس مارس 02, 2023 4:46 am من طرف شركة الزهور
» شركة نقل اثاث بطيبة جاردنز و فلورنتا 01009665850
الخميس مارس 02, 2023 2:40 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بنيو جيزة 01009665850
الخميس مارس 02, 2023 2:36 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بالكردى 01090216656
الخميس مارس 02, 2023 2:23 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بطلخا 01009665850
الخميس مارس 02, 2023 2:18 am من طرف شركة الزهور
» شركات نقل الاثاث بمنشية ناصر 01090216656
الخميس مارس 02, 2023 2:14 am من طرف شركة الزهور